الجنرال محمد بن عبد العزيز، زعيم الانقلاب الأخير فى موريتانيا
موريتانيا تترنح بين عسكرة النظام وانتظار المجهول
سيدى ولد سيد أحمد*
إن التطورات الأخيرة فى موريتانيا أثبت أن إدارة المرحلة الإنتقالية كانت ترتكز على استراتيجية أساسها تحكم العسكر فى مفاصل الحكم فى موريتانيا ولم تكن قطيعة مع الديكتاتورية ولا تمهيدا للتبادل السلمى على السلطة، كما أوهمنا أصحابنا بإجرائهم لتعديلات دستورية وما أسموهم يومها بالأقفال الخمسة لمنع الإستمرار فى الحكم لمدة غير محدودة والحيلولة دون الإنقلابات.
وإذا استثنينا إشراك كل أطياف المجتمع المدنى من أحزاب ومنظمات وصحافة فى الأيام التشاورية والتمويلات المتحصل عليها وخلق مناخ للحوار مع القوى التى كانت توصم بالتطرف فإن كل إفرازات تلك المرحلة من إنتخابات محلية وبرلمانية ورئاسية كانت كلها تؤسس لنظام عسكرى فى ثوب مدنى ديمقراطى سرعان ما تكشفت أوراقه وعجز أصحابه عن إيجاد صيغة متماسكة لديمومته، وهو ما يفسر عدم نضج مشروع إنقلاب 2005 وتهاويه فى فترة قصيرة محدثا بذلك أكبر أزمة سياسية مرت بها البلاد منذ الإستقلال.
إن عدم نضج ذلك المشروع ووقوع أصحابه فى تناقضات كبيرة بين الإلتزامات التى قدموا للمجتمع الدولى وبين التطبيقات الميدانية التى أفرزت هوة كبيرة بينهم، هو ما تدفع اليوم موريتانيا ثمنه من زيادة حدة الإنقسام بين مشروعين لم تتضح معالمها بعد لكنهما الآن يتخندقان فى ثنائية الشرعية الدستورية ودعوة العسكر للتحكم فى المشهد السياسي، فإذا كان نظام ما بعد الفترة الإنتقالية فشل أمنيا وسياسيا وإقتصاديا، فإن لذلك الفشل أسبابه الموضوعية داخليا وخارجيا
على المستوى الداخلى
كان غياب التجربة السياسية الناضجة وعدم وضوح الصلاحيات الدستورية لرئيس الدولة فى مقابل من جاءوا به إلى الحكم وعدم وجود أغلبية رئاسية حقيقية من نواب وشيوخ وأحزاب سياسية تشكل قوة ومرتكزا أساسيا لتنفيذ تعهداته الإنتخابية وعدم إنضباط الولاءات البرلمانية، حيث أصبح البرلمان منتجعا للحل والترحال بين الأحزاب فى رحلة لم تنته بعد، فيما يذكرنا بتقلبات البرص، وهو مشهد أسهم فيه النواب المستقلون وعدم إرتباطهم الوظيفى بأحزابهم.
إن هذا المشهد الغريب الذى يكاد يجعل من النواب أسهما فى برصة برلمانية إذا جاز التعبير، إعتمد عليها نظام الرئيس المنتخب قبل سقوطه وهوالذى جاء من خارج المشهد الحزبى والسياسي، وتحولت بعيد الإنقلاب الأخير إلى أداة فى يد عسكر هم من صنعوا غالبيتها فى مسلسل المرحلة الإنتقالية تارة بإسم المستقلين وتارة بإسم أحزاب أنشأوها ا أو قريبة منهم، وكذلك كان ضعف التجربة وغياب الأولويات وتجاهل الظروف المعيشية للسكان سببا فى خلق أزمة ثقة بين النظام وقاعدته التى منحته الأصوات من أجل برنامج يسهم فى رفع مستواها المعيشى والتعليمى والصحي، تجلت فى أحداث ثورة الخبز التى امتدت من باسكنو شرقا إلى انواذيبو غربا مرورا بكنكوصة وانواكشوط.
على المستوى الخارجي
كان لإرتفاع سعر المواد الغذائية المشتقة فى أغلبها من القمح الذى أصبح يستخدم فى إنتاج الإيثانول وإرتفاع سعر برميل النفط من 45 دولارا إلى 149 دولارا أثرا بالغا فى الأزمة الغذائية والمعيشية التى لحقت بالبلاد خلال تلك الفترة رغم المساعى الكبيرة التى بذلت من خلال البرامج الإستعجالية والبحث فى تحسين الموارد الزراعية والحيوانية ووعود نادى باريز بتوفير أزيد من مليارى دولار.
كل هذه العوامل مجتمعة داخليا وخارجيا أفقدت النظام قدرته على العطاء وعلى التجاوب بجدية وإيجابية مع الأزمات التى مرت بها البلاد فى ظل تلك الفترة رغم التجاوب العالمى مع التجربة الديمقراطية فى موريتانيا وإعتمادها كنموذج فى إفريقيا والعالم العربى بالرغم من هشاشة بنيتها ومرتكزاتها المنهجية والعملية، التى كان بالإمكان التحسين من شروطها ووضعها فى إطار تجربة ديمقراطية حديثة تتحسن بمرور الزمن بدل الإجهاش عليها بإنقلاب عسكري، حاول أصحابه، الذين يعتبرون أنفسهم رواد الديمقراطية، الإيحاء بأنه تصحيح لمسار ديمقراطى بنوه منة منهم لهذا الشعب .
الثلاثاء مايو 26, 2009 6:07 am
